فلسطينيو مناطق "ب" و"جيم" و"اتش2" في الخليل، وأحياء القدس المستثناة بالجدار يصارعون من أجل البقاء في بيئة تفتقر للأمن وفرض القانون ويحملون السلطة الفلسطينية المسؤولية عن حمايتهم وتطالب أغلبيتهم بانتشار الشرطة الفلسطينية في مناطقهم

آب (أغسطس) 2017

تعاني مناطق "باء" و"جيم" من الضفة الغربية، وكذلك منطقة "الإتش2" من الخليل (التي تضم البلدة القديمة من المدينة ومناطق أخرى لا تزال تحت السيطرة الأسرائيلية) وبعض أحياء القدس الشرقية المعزولة، من غياب الأمن وفرض القانون. تشير نتائج البحوث المسحية ولقاءات العصف الفكري (أو المجموعات البؤرية)، ودراسات الحالة التي قام بها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية إلى وجود مستويات متدنية من الإحساس بالأمن في هذه المناطق مقارنة بمستويات الإحساس بالأمن في المناطق المسماه ألف (أ). كما أن هذه النتائج تشير إلى درجة متدنية من الثقة بنظام العدالة الفلسطيني. يشكو سكان هذه المناطق الواقعة خارج "أ" من نسب عالية من الجريمة، وانتشار المخدرات وتجارة السلاح، ومن استخدام أحيائهم كملجأ آمن للمجرمين والعصابات المسلحة وغيرها. وفوق كل ذلك يشعرون بغياب حكم القانون. إن غياب فرض النظام وحكم القانون في هذه المناطق يبعد المستثمرين من القطاع الخاص ومن السلطة نفسها عن هذه المناطق. كما أن غياب الإحساس بالأمان للفرد والعائلة يجبر الأهالي أحياناً على الخروج من هذه المناطق في هجرة قصرية لمناطق أكثر أمناً. يقول بعض السكان إن جيرانهم قد هجروا مساكنهم فعلاً. كما أن عنف المستوطنين في هذه المناطق يزيد من درجة الاحتقان في العلاقة المتردية بشكل كبير بين الفلسطينيين والإسرائيليين ويقلل ثقة المواطنين بحكومتهم وأجهزتها الأمنية. بل إن المزيج من التهديدات الداخلية وتلك التي تسببها إسرائيل أو أطراف إسرائيلية تدفع الجمهور الفلسطيني إلى التساؤل عن فائدة التنسيق الأمني الفلسطيني-الإسرائيلي وتزيد من نسبة المطالبة بإيقافه.

 

هناك أسباب متعددة لهذا الوضع. لا تستطيع السلطة الفلسطينية المقيدة بشروط اتفاق أوسلو أن تقوم بنشر قواتها الأمنية في معظم هذه المناطق. وحتى عندما يكون الانتشار متاحاً، كما هي الحال في مناطق ب، فإنها بحاجة لتنسيق انتشار قواتها مع الإسرائيليين لكي تتمكن من اجتياز الطرق في المنطقة جيم وهي الطريقة الوحيدة الممكنة للوصول لمعظم هذه المناطق. كذلك، فإن السلطة تفتقد للولاية الأمنية والقانونية على المقدسيين لأنهم يحملون بطاقات هوية إسرائيلية مما يعقد بشكل كبير من مهمة فرض النظام والقانون في العديد من القرى والبلدات وخاصة تلك المجاورة للقدس الشرقية أو على أطرافها. إن الطرف الإسرائيلي، المسؤول رسمياً عن فرض النظام والقانون في مناطق جيم وفي أحياء القدس المعزولة، لا يظهر رغبة في القيام بواجبه في هذه المناطق ويضع جل اهتمامه في التصدي للمقاومة المسلحة للاحتلال وللعنف السياسي.

إضافة لذلك، فإنه بالرغم من ولايتها القضائية على الفلسطينيين فإن قدرة السلطة الفلسطينية على فرض حكم القانون يعاني كثيراً بسبب ضعف القدرات التنفيذية لقطاعها الأمني. فمثلاً يفتقد جهاز الشرطة لقدرات هو بحاجة ماسة لها. بالرغم من أن نسبة عدد أفراد الشرطة لتعداد السكان مطابقة للمعايير الدولية فإن التحديات والصعوبات التي تعمل الشرطة في ظلها تتطلب المزيد من القدرات التي تفوق ما تمتلكه الآن. يخصص قطاع الأمن الفلسطيني موارد أكبر، في الأفراد والمركبات والأسلحة، لأجهزة وقوات أخرى غير الشرطة، أي لقوات الأمن الوطني (بما في ذلك الأمن الرئاسي والاستخبارات العسكرية) ولجهازي المخابرات والأمن الوقائي. بالرغم من أن الشرطة تستطيع الحصول على المساعدة من هذه الأجهزة في حالات الطوارئ أو عندما تتطلب الأوضاع ذلك، فإن قدرة الجهاز على التخطيط بعيد المدى، وعلى تخصيص قوات احتياط إضافية للتعامل مع ظروف عدم اليقين المتكررة، وعلى نشر قواته بشكل روتيني في مواقع مهددة لكنها معزولة تبقى محدودة. لذلك فإن انتشار قوات الشرطة في مناطق ب، التي توجد لها عليها ولاية فرض النظام والقانون، محدودة جداً حيث أن هناك عدداً صغيراً من مراكز الشرطة الدائمة في القرى والبلدات الواقعة في هذه المناطق. كذلك، وبالرغم من ولايتها القضائية على سكانها، فإنه لا توجد أي مراكز دائمة أو غير دائمة للشرطة في المناطق الفلسطينية المأهولة من المنطقة جيم أو منطقة اتش2 في الخليل. وفوق كل ذلك فإن الشرطة الإسرائيلية قد تخلت بشكل شبه نهائي عن مهام إنفاذ القانون في مناطق القدس المعزولة، مثل كفر عقب وسمير أميس  وأجزاء من قلنديا ومخيم شعفاط، مما خلق فراغاً أمنياً واسعاً حيث أن درجة الإحساس بالأمن لدى سكان هذه المناطق هي الأدنى مقارنة بكافة المناطق الأخرى بما في ذلك سكان "مناطق جيم".

إن عدم قدرة السلطة الفلسطينية على توفير الأمن وحكم القانون لسكان هذه المناطق قد أضر بمكانة ومصداقية السلطة الفلسطينية بين الجمهور. تشير المعطيات لانخفاض مستوى الثقة بالسلطة وأجهزتها الأمنية وفي نظام العدالة بمجمله في معظم هذه المناطق. كما أن العديد من السكان يتساءلون عن قيمة وفائدة التنسيق الأمني ويرون فيه خدمة أكبر للمصالح الإسرائيلية مما يخلق بيئة فيها الكثير من عدم الاستقرار والتوتر بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.

إن إحدى النتائج المترتبة على هذا الوضع هي الضعف في قدرة الشرطة الفلسطينية على تطبيق قرارات المحاكم أو الاستجابة لطلباتها بشكل منتظم أو حتى توفير نظام مضمون للتبليغ. إن الولاية القضائية الفلسطينية في المنطقة جيم مقيدة في الواقع بانعدام القدرة على الوصول الحر لهذه المنطقة. لذلك يفتقد الجهاز القضائي والمحاكم لقدرة سريعة ومضمونة للتبليغ والاستدعاء مما يبطىء كثيراً في قدرته على إصدار الأحكام. يؤدي ذلك لإضعاف الحوافز للجوء للقضاء مما يضعف قدرة الجهاز القضائي على خدمة الجمهور وعلى فرض القانون وإنفاذ العقود. إن هذا المزيج من غياب الأمن وضعف سلطة فرض القانون يشكل عقبة كبيرة أمام قدرة القطاع الخاص على الاستثمار في معظم المناطق الفلسطينية باستثناء المنطقة "أ". كما أن نسبة البطالة العالية بين السكان تدفعهم للبحث عن العمل في مناطق أخرى. إن من الواضح أنه طالما بقيت أجهزة إنفاذ القانون ضعيفة في أداء عملها في هذه المناطق فإن نظام العدالة سيبقى مقيداً وستستمر أزمة انعدام الثقة به.

 

 

تشير معطيات المسوحات وجلسات العصف الفكري والمقابلات لوجود مطالب واسعة بنشر قوات الشرطة الفلسطينية في كافة المناطق بما في ذلك مناطق القدس المعزولة. لكي يتمكن قطاع الأمن الفلسطيني من توفير الأمن وفرض حكم القانون وتلبية احتياجات الجمهور في المناطق المعرضة للتهديد فإن أمامه مجموعة من الخيارات التي يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات: خيارات تتطلب موافقة إسرائيلية، خيارات تتطلب إعادة بناء وتوزيع للقدرات داخل قطاع الأمن، وخيارات تتطلب بناء إئتلافات مع أطراف محلية وأجسام مدنية في المناطق المستهدفة.

هناك احتياجات فلسطينية ثلاث لا يمكن توفيرها إلا بموافقة إسرائيلية: تواجد شرطي دائم في مناطق تقع الآن خارج ولاية فرض القانون الفلسطينية مثل المنطقة جيم أو الأتش 2، وتنسيق مسبق لاستخدام روتيني بعيد المدى ومتعدد للطرق في منطقة جيم، وفرض للولاية القضائية الفلسطينية على سكان القدس الشرقية المقيمين في مناطق تخضع للولاية القضائية الفلسطينية. كذلك، وفي حال وجود قرار سياسي بذلك، سيكون هناك حاجة لموافقة إسرائيلية، صريحة أو ضمنية، لأي تواجد شرطي فلسطيني، ظاهر أو مخفي، في أحياء القدس المعزولة. كذلك الحال بالنسبة لأي استخدام روتيني بعيد المدى ومتعدد للطرق في المنطقة جيم بدون الحاجة للتنسيق في كل مرة ولكل استخدام على حدة، أو بالنسبة للولاية القانونية على حملة الهوية الإسرائيلية من سكان القدس الشرقية القاطنين في مناطق تخضع للولاية القضائية الفلسطينية.

أما بالنسبة للخيارات المتاحة داخل قطاع الأمن فإنها تتعلق بقضايا مثل معالجة الخلل الراهن في نسبة الأفراد (كالعريف أو الجندي) مقابل الضباط وصف الضباط مما يقلل من نجاعة عمل قطاع الأمن وإعادة توزيع عناصر الشرطة بشكل متناسب مع حجم السكان في المحافظات وطبيعة التحديات والأولويات. كذلك يمكن لقطاع الأمن أن يخصص جزءاً من مواراده لتشكيل وحدات شرطية متنقلة إضافية بحيث يتم نشرها في مواقع بالقرب من المناطق المستهدفة لتسهيل سرعة حركتها اليومية. كما أن دوريات شرطية يومية تعمل بشكل روتيني يمكنها الوصول لمناطق نائية مهددة. والأهم من كل ذلك، يمكن لقطاع الأمن تخصيص موارد أعظم لوظائف وأدوار شرطية، فمثلاً، يمكن تحويل قسم كبير من قوات الأمن الوطني لجهاز سريع الحركة مساند للشرطة (شبيه بالدرك/ الجندرمة) ونقله لمسؤولية جهاز الشرطة بشكل دائم بحيث يمكن توظيفه في مهام يومية عملياتيه في المناطق المستهدفة. ويمكن تطبيق نفس المبدأ على أقسام من جهاز الأمن الوقائي أقرب في عملها للوظائف الشرطية

كذلك، يمكن لقطاع الأمن أن يعمل بالتعاون مع الحكم المحلي والمحافظات على بناء اتئلاف عريض مع المجتمع المدني بغرض تعزيز وضع الأمن وحكم القانون في تلك المناطق التي قد لا يكون فيها ممكناً نشر قوات شرطية رسمية على شكل مراكز أو دوريات يومية أو وحدات متنقلة. يمكن في هذا السياق إجراء مراجعة لعمل "المفتشين" في منطقة الأتش 2 الذي يمثل نوعاً من التنسيق بين بلدية الخليل وأجهزة الأمن والمجتمع المدني. قد ينطبق هذه الوضع على مناطق القدس المعزولة وعلى بعض مناطق جيم الملاصقة للمستوطنات أو الواقعة على طرق رئيسية. بالتنسيق مع الشرطة والحكم المحلي والمجتمع المدني يمكن للمجالس المحلية في هذه المناطق أو لمكتب المحافظة أن يعين مدنيين كرجال أمن شبه رسميين بحيث يتم ربطهم مباشرة مع مركز قيادة شرطي. قد يكون من الأفضل أن يتم تجنيد هؤلاء الرجال من عناصر أمنية متقاعدة أو سبق لها العمل في أجهزة الأمن أو تتبع لمنظمات أهلية عاملة في المناطق المستهدفة.

أخيراً، من المستحسن قيام السلطة الفلسطينية وقطاع الأمن بإجراء مسح شامل وتفصيلي لكافة المناطق الواقعة خارج المنطقة "أ" لتحقيق الأغراض التالية:

1) تقدير طبيعة وأنواع التهديدات في كل منطقة.

2) وضع لائحة تحدد الأولويات المتعلقة بمواجهة التهديدات الأمنية في تلك المناطق

3) وضع لائحة مماثلة تحدد الأولويات المتعلقة بنظام العدالة والجهاز القضائي

4) تطوير ردود متعددة ومتدرجة للتهديدات التي يتم توثيقها بما في ذلك إنشاء مراكز شرطة عند الحاجة أو إرسال وحدات شرطية متنقلة بشكل روتيني

5) إجراء دراسة للتكاليف المترتبة على كل ذلك والبحث عن مصادر مالية وغير مالية من داخل ومن خارج قطاع الأمن.

 

من بحاجة للأمن، التقرير النهائي، د. خليل الشقاقي 

    بنية قطاع الأمن الراهنة والقدرة على توفير الأمن لمناطق "ب" و"جيم": إعادة توزيع الموارد، جهاد حرب 

       

       دراسة الحالة:

       الاستطلاعات